فرحة لم تتم… القصة الكاملة لاكتشاف الذهب في كلميم بين الحقيقة والجدل

 

فرحة لم تتم… القصة الكاملة لاكتشاف الذهب في كلميم بين الحقيقة والجدل

 حين تتحول الفرحة إلى سؤال كبير

في بداية شهر شتنبر 2025، اهتز الرأي العام المغربي على وقع خبر مثير: اكتشاف كميات مهمة من الذهب في إقليم كلميم، بتراكيز وُصفت بالخرافية تجاوزت 300 غرام في الطن الواحد.
وسرعان ما تحولت القصة إلى "حلم وطني"، حيث تخيل كثيرون أن المغرب على وشك دخول نادي القوى العالمية المنتجة للذهب، وأن ثروات جديدة ستنضاف إلى الفوسفاط والفضة والغاز، لتغير وجه الاقتصاد المغربي بشكل كامل.
لكن، لم تمر سوى أيام قليلة حتى انقلب المشهد رأساً على عقب: المعطيات التي تم تداولها لم تكن دقيقة، و"الرقم السحري" لم يكن سوى نتيجة خطأ مطبعي في تقرير استكشافي! وهكذا تحولت "الفرحة" إلى "جدل" عميق، بين من اعتبر أن مجرد وجود تراكيز تفوق 6 غرامات في الطن يعد أمراً واعداً، وبين من رأى أن المبالغة الأولى أساءت إلى صورة المغرب ومصداقيته.
فما هي القصة الكاملة؟ ومن هي الشركة التي أعلنت عن هذا الاكتشاف؟ وهل يمكن أن يتحول الذهب في كلميم إلى مشروع استراتيجي فعلي يخدم المواطن المغربي، أم أن الأمر سينضاف إلى سلسلة من الثروات التي لا يلمس المغاربة خيرها؟
في هذا المقال الطويل، سنغوص في تفاصيل القصة من بدايتها، ونضعها في سياقها الجيولوجي والاقتصادي والاجتماعي، مع مقارنات دولية ومعطيات تقنية، لنحاول رسم صورة متكاملة حول "الفرحة التي لم تتم".


الإعلان الأولي: حلم الـ 300 غرام في الطن

القصة بدأت عندما خرجت شركة Olah Palace Trading، وهي فاعل اقتصادي حديث نسبياً، بتقرير يتحدث عن اكتشاف ذهب في منطقة كلميم بتراكيز وصلت – حسب الوثيقة – إلى 300 غرام في الطن.هذا الرقم، بالنسبة لأي شخص له دراية بعالم التعدين، أشبه بـ"المعجزة". لماذا؟

  • لأن المعدلات العالمية المعروفة نادراً ما تتجاوز 5 غرامات في الطن.

  • أكبر المناجم في جنوب إفريقيا وأستراليا، التي تعتبر منجم الذهب العالمي، تحقق تراكيز تتراوح بين 5 و10 غرامات في الطن.

  • أن تسمع عن 300 غرام في الطن، يعني أنك أمام احتياطي "أسطوري" قد يجعل المغرب في مصاف أكبر منتجي الذهب عالمياً.

الطبيعي إذن أن يفرح الناس، وأن تنتشر الأخبار في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق. العناوين كانت كلها تبشر بقدوم "العصر الذهبي للمغرب"، والخيال الشعبي بدأ ينسج صوراً عن دولة جديدة غنية بالذهب.


التصحيح: من الخطأ المطبعي إلى الصدمة

لكن بعد أيام قليلة، خرجت معطيات مصححة: الرقم 300 لم يكن صحيحاً، بل مجرد خطأ مطبعي تسلل إلى التقرير.

المعطيات الحقيقية أوضحت أن التراكيز المكتشفة تتراوح بين 6 و30 غراماً في الطن.
ورغم أن هذا الرقم أقل بكثير من الـ300 غرام، إلا أنه يظل رقماً مهماً جداً، لأن:

  • كل ما يفوق 5 غرامات في الطن يعتبر ذو جودة عالية.

  • التراكيز المكتشفة تجعل المشروع واعداً اقتصادياً.

إذن، "الصدمة" لم تكن في أن الذهب غير موجود، بل في أن الرقم المبالغ فيه خلق توقعات خيالية لدى الناس، قبل أن يتم تصحيحها.


الاحتياطي المحتمل: 3 إلى 5 ملايين أونصة

إلى جانب التراكيز، أشارت تقارير أولية إلى أن الموقع قد يحتوي على احتياطي يتراوح بين 3 و5 ملايين أونصة من الذهب.

  • أي ما يعادل 100 إلى 150 طناً من الذهب.

  • بالقيمة الحالية للذهب (حوالي 1900 دولار للأونصة)، نحن أمام ثروة تتراوح قيمتها بين 5.7 و9.5 مليار دولار!

هذه الأرقام تجعل المشروع فعلاً مهماً، وتؤكد أن الأمر لا يتعلق بـ"فقاعة إعلامية" فقط، بل بفرصة حقيقية إذا ما أحسن استغلالها.


الشركة المعلنة: Olah Palace Trading تحت المجهر

من هي هذه الشركة التي فجرت الخبر؟

  • اسمها Olah Palace Trading.

  • مسجلة في المغرب منذ 3 سنوات فقط.

  • رأسمالها لا يتجاوز 100 ألف درهم.

  • مقرها في مدينة طانطان.

  • كانت تنشط في التجارة العامة والاستيراد والتصدير، قبل أن توسع أنشطتها إلى الاستكشاف المعدني.

  • حصلت على امتيازات تشمل: الذهب في كلميم، الليثيوم والكاولين في السمارة، التيتانيوم وخام الحديد في العيون.

هذه المعطيات أثارت تساؤلات كثيرة:

  • هل لشركة بهذا الحجم المحدود القدرة فعلاً على تطوير مشروع استراتيجي ضخم للذهب؟

  • هل الإعلان الأولي كان مجرد "هفوة تقنية"، أم كان مقصوداً لجذب الانتباه والمستثمرين؟


ردود الأفعال: بين الفرحة والريبة

القصة خلقت جدلاً واسعاً:

  • البعض اعتبر أن مجرد اكتشاف تراكيز تفوق المعدلات العالمية (6–30 غراماً) يمثل مكسباً مهماً للمغرب.

  • آخرون رأوا أن المبالغة التي رافقت الإعلان الأولي قد تضر بمصداقية الشركة، بل وحتى بصورة المغرب لدى المستثمرين الدوليين.

الشارع المغربي، من جهته، عاش لحظة "فرحة" قصيرة، سرعان ما انقلبت إلى "خيبة أمل". والمواطن طرح السؤال القديم الجديد:

"واش هاد الذهب غادي نشوفو منو شي فايدة فالحياة اليومية، ولا غادي يمشي بحال باقي الثروات؟"


المغرب وثرواته المعدنية: سياق أكبر

لفهم أهمية ذهب كلميم، يجب أن نضعه في السياق الأكبر للثروات المعدنية في المغرب:

  • المغرب يتوفر على أكبر احتياطي للفوسفاط في العالم.

  • يتوفر كذلك على مناجم مهمة للفضة، خصوصاً منجم إميضر في درعة–تافيلالت، وهو واحد من أكبر مناجم الفضة عالمياً.

  • هناك مشاريع لاستغلال الليثيوم (معدن المستقبل للبطاريات الكهربائية).

  • بالإضافة إلى النحاس، الرصاص، الزنك، الحديد…

لكن، رغم هذه الثروات، المواطن المغربي لا يشعر بالانعكاس المباشر على معيشته اليومية. وهنا يكمن جوهر السؤال: هل سيختلف الأمر مع ذهب كلميم؟


مقارنة دولية: دروس من جنوب إفريقيا وأستراليا

  • في جنوب إفريقيا، كان الذهب سبباً في تحول الاقتصاد إلى قوة عالمية خلال القرن العشرين، لكنه أيضاً كان مصدراً لصراعات اجتماعية بسبب سوء توزيع الثروة.

  • في أستراليا، جعل الذهب البلاد من أغنى دول العالم، لكنه احتاج إلى استثمارات ضخمة وبنية تحتية قوية.

  • في الصين، أصبح الذهب جزءاً من استراتيجية كبرى لتنويع الاقتصاد وتعزيز احتياطي العملة.

المغرب، إذاً، أمام فرصة، لكنه أيضاً أمام تحدي كبير: كيف يستغل الذهب بطريقة عادلة وشفافة؟


الأبعاد الاقتصادية: ماذا يعني هذا الاكتشاف؟

  • يمكن أن يساهم في تنويع الاقتصاد المغربي الذي يعتمد بشكل كبير على الفوسفاط والفلاحة.

  • قد يجذب استثمارات أجنبية مهمة، إذا تم توفير مناخ الثقة.

  • يوفر فرص عمل كبيرة في جهة كلميم التي تعاني من البطالة.

  • يعزز احتياطي العملة الصعبة للمغرب.

لكن، كل هذا يبقى مشروطاً بالشفافية، وبقدرة الدولة على ضمان أن الثروة لا تتحول إلى مجرد أرباح ضيقة لفئة محدودة.


الأبعاد الاجتماعية: صوت المواطن

المغربي العادي لا يهمه إن كان الاحتياطي 3 أو 5 ملايين أونصة. ما يهمه هو:

  • هل سيجد ابنه وظيفة في المنجم؟

  • هل ستُبنى مستشفيات ومدارس من عائدات الذهب؟

  • هل ستتحسن البنية التحتية في كلميم؟

المواطن يريد أن يرى الثروة في حياته اليومية، لا أن يسمع عنها فقط في نشرات الأخبار.


التحديات: بين الأمل والشك

  1. الشفافية: هل ستكون هناك معطيات دقيقة ومفتوحة للرأي العام؟

  2. القدرة التقنية: هل للشركات المغربية القدرة على تطوير المشروع، أم سيُسلم للأجانب؟

  3. التوزيع العادل: هل ستصل الفوائد إلى السكان المحليين؟

  4. المصداقية: هل ستتجاوز الشركة أثر الإعلان المبالغ فيه؟


الخلاصة: الأمل قائم، لكن الفرحة لم تتم

قصة ذهب كلميم هي قصة "فرحة لم تتم".
بدأت بحلم 300 غرام في الطن، ثم عادت إلى واقع 6–30 غراماً.
لكن رغم ذلك، نحن أمام اكتشاف مهم وواعد، يمكن أن يكون مشروعاً استراتيجياً للمغرب إذا ما توفرت الشروط الضرورية: الشفافية، الكفاءة، وتوزيع الثروة بشكل عادل.

في النهاية، المواطن المغربي لا يريد سوى شيء واحد: أن يرى ثروات بلاده، ومنها ذهب كلميم، تتحول إلى حياة أفضل، لا أن تبقى مجرد أرقام في التقارير أو أحلام عابرة على مواقع التواصل.



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال